حياة مكرّسة لمساعدة الآخرين
وجدت السيدة اعتدال عبد الناصر نفسها في أوضاع حرب عدّة مرّات. واختارت التوجّه إلى ساحة معركة للبحث عن موارد وتأمينها لمركز غسيل الكُلى برغم خوفها على حياتها وحياة زملائها. لا تدع أي شخص يمنعها من أداء عملها الإنساني: "أنا محظوظة لأنّ أُسرتي تساندني دائماً. سأواصل هذا العمل حتى يتوقّف قلبي عن الخفقان".
Brave61 شجاع التقييم

"نشأتُ في منطقة تسمى معاشيق. يقع منزلنا على سفح جبل، ولدينا أربعة جيران يمنيين، فيما بقية الأُسر بريطانية. وكفتاة صغيرة، كنت دائماً أذهب إلى الطبيبة البيطرية بالقرب من منزلنا لمعالجة حيواناتنا الأليفة. علمتني الإسعافات الأولية وأهدتني طقم إسعافات أولية. وهي التي جعلتني مهتمّة بمساعدة الآخرين.

بعد ذلك بوقت قصير، زارت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مدرستي في عدن. كنتُ في باحة المدرسة أربط قدم زميلة لي سقطت على أرض الملعب. لفتُّ انتباههم فدنوا منّي وسألوني عن رغبتي في تعلّم الإسعافات الأولية وقالوا إنّ في وسعهم تعليمي. شعرت بسعادة غامرة وحضرتُ دوراتهم في مقرّ اللجنة الدولية في مدينة المُعَلاّ.

تطوّعت في الهلال الأحمر في عدن حين بلغتُ الرابعة عشر. كانت الحياة جيدة حتى اندلعت الحرب في العام 1986. قُتل آلاف الأشخاص، وكان الأمر فظيعاً. وأذكر ذات يوم أنّنا- متطوّعو الهلال الأحمر- كنّا في الميدان وواجهنا مشكلات مع المتحاربين. طلبوا منّا تسليم شعارات الهلال الأحمر. أرادوا استخدامها لدخول المستشفيات وخطف الجرحى. هذه جريمة ضدّ القانون، وتمكّنا لحسن الحظ من إخفاء الشعارات عنهم. لكنّنا تعرضنا للتعذيب لقيامنا بذلك.

وغداة انتهاء الحرب، تمكنتُ وزملائي من الفرار من عدن إلى صنعاء والتحقتُ بفرع الهلال الأحمر هناك. أمِلْنا بأيام أفضل، لكن اندلعت الحرب الأهلية هناك بعد سنوات قليلة، وتحديداً في العام 1994. عانت المستشفيات من نقص الكوادر لرحيل الأطبّاء الأجانب. اتصلتُ بالمتطوّعين ودرّبتهم على الإسعافات الأولية والتمريض السريري وكيفية رعاية الجرحى. ثمّ وزّعناهم على مستشفيات مختلفة وأشرفنا عليهم. لم أحصل على شهادة طبّية رسمية. وكلّ ما أعرفه تعلّمته في الميدان. وكان يكفي تدريب الآخرين على التعامل مع حالات الأزمات.

عدت إلى عدن في العام 2015 لأعمل في الدعم النفسي للسجناء في السجن المركزي. كانت عدن آمنة في ذلك الوقت، والعمل رائعاً، وكنت أُبلي بلاءً حسناً إلى أن اندلعت الحرب من جديد. لم أستطع العودة إلى صنعاء، اضطُررت للبقاء في عدن حيث حاولتُ ومتطوّعون آخرون إنقاذ الناس من القتال. كان وقتاً عصيباً. برزت مشكلات وحالات أزمات كثيرة. ولا تزال ذكريات إحداها حيّة وذلك حين زرنا مركزاً لغسيل الكُلى. وجدنا نحو 350 مريضاً. افتقرت المستشفى إلى كلّ الإمدادات اللازمة لعلاجهم. لم تكن هناك ميزانية، لذلك قرّرت استئجار شاحنات بمالي الخاصّ. وضعتُ عليها شعار الهلال الأحمر وملأتها بالطعام والماء وأدوات الإسعافات الأولية والثلج- لأنّها كانت ساخنة جداً- وسألت المتطوّعين الشباب عمّا إذا كانوا يودّون الذهاب معي. اعتذر البعض لخطورة الحرب. لكن آخرين ردّوا بالقول: هل ستسمح لنا نقاط التفتيش بالمرور؟ أجبت: "سنقدّم لهم الطعام والمساعدة الطارئة وسنخبرهم بوجهتنا". لم أكن متأكدة ممّا إذا كانت المحاولة ستنجح، لكن كان علينا أن نحاول.
انطلقنا، أوقفونا عند إحدى نقاط التفتيش بالطبع، وطلبوا منّا النزول من السيارات. أخبرتهم أنّني قائدة المجموعة وأنّ عليهم أن يدَعوا الآخرين وذهبت لأتقصّى الأمر. وبفضل سنوات خبرتي في مواقف الحرب، تمكّنت من إقناعهم بحيادنا ووجهتنا. أعطيتهم طعاماً وعدّة طوارئ ثم سمحوا لنا بالمرور. لكنّنا توجهنا بعد ذلك إلى مقاتلي الجانب الآخر.

”سأواصل العمل حتى يتوقّف قلبي عن الخفقان”

– Aietdal Abdo Nasser, Yemen

لم يكن إقناعهم سهلاً. ولولا قائد صديق، الراجح أنّهم كانوا سيقتلوننا. لكنه تمكّن من إقناعهم بأننا منظّمة محايدة. قدّمنا لهم طعاماً وعدّة طوارئ وواصلنا رحلتنا. وأخيراً وصلنا إلى مستشفى ناصر. حصلنا على المرشّحات وعلى إمدادات أخرى لازمة ثمّ عدنا إلى منازلنا. كان طريق موت. المدن التي مررناها بها عبارة عن مدن أشباح: لم نر سوى جثث ومقاتلين لأنّ جميع السكّان قد فرّوا. مرّت الرصاصات فوق رؤوسنا. لا أعرف كيف حصل ذلك، لكنّنا عدنا في النهاية إلى المركز بسلام. ركّبنا المرشّحات للمرضى وأنقذنا حياتهم. وبعد أن انتهينا، انفجرت بالبكاء. بكيت كما لم أبكِ من قبل. مازلت لا أعرف إن كان ذلك بسبب الفرح أو الخوف.

أنا محظوظة لأنّ أسرتي تدعم عملي دائماً. تمكّنت من التوفيق بين حياتي الشخصية وعملي لدى الهلال الأحمر. وزوجي يقف بجانبي ويدعمني في كلّ ما أقوم به دائماً. وأنا شديدة الامتنان لذلك، وسأواصل العمل من أجل الهلال الأحمر حتى يتوقّف قلبي عن الخفقان".

Aietdal Abdo Nasser

Yemen, 1970

ضع تقييمك هنا
Brave
شجاع
Inspiring
ملهم
Hero
بطل
Passionate
متفان
0
هل كنت تعلم ...

السيدات أقرب إلى التقليل من مهاراتهنّ وإنجازاتهنّ المهنية وإلى الاستهانة بأهمّيتها من نظرائهنّ الذكور.

– Barriers and Bias: The Status of Women in Leadership, American Association of University Women

سجل للحصول على اخر اخبارنا