ما هي قيمة الصوت؟ لا سيما صوت امرأة شابّة وُلدت في منتصف تسعينيات القرن الماضي في أوكرانيا عقب تفكّك الاتحاد السوفيتي- بلد في بحث يائس عن نفسه ومكانه في العالم؟
تخيّل بلدة صغيرة في منطقة نائية. مدرسة عادية يُعَدّ التسرّبُ من الدراسة فيها فضيلة والاهتمامُ بالدراسة مدعاة لعدم الثناء، وليس فيها مكان لغير المتنمّرين. منطقة يتزوّج ثلثا فتياتها ويلِدن بُعَيد تخرّجهنّ- ليحصلن على الطلاق في غضون عام أو نحو ذلك. امزج ما تقدّم مع نظرة ضيّقة الأفق تجاه العالم وذكورية متفشّية وإدمان على المسكرات على نطاق واسع، وستحصل على مزيج خبيث للمنتخَبين وحسب.
لا يصعب استنتاج أنّ صوت الأنثى بالنسبة إلى المجتمع المحلّي يساوي نصف صوت الذكر في أحسن الأحوال أحياناً. عددتُ هذا أمراً مفروغاً منه مدّة طويلة- وربّما طويلة جداً. ربما كان إدراك ما كان يحدث سيستغرق وقتاً أطول لو لم تُتَح لي الفرصة لأكون حاضرة في بعض المناقشات الصادقة والتأمّلية والرزينة حول قضايا الجنوسة- أمر لم أكن لأتصورّه في ذلك الوقت. وأنا أهيّئ نفسي حتى في يومي الحاضر في كلّ مرة أتحدّث فيها عن هذه المواضيع.
الذي ثبت في النهاية أنها تجربة غيّرت حياةً كانت مشاركتي في أنشطة متطوّعي الصليب الأحمر. عرّفني الصليب الأحمر بآفاق ليس لها حدود للتعليم غير الرسمي. استأنستُ بهم، كمتعلّمة، وكمدرّبة وميسّرة بُعَيد ذلك وباجتهادي. وبالتدريج، بدأ شيء ما يتغير. قابلتُ الكثير من الأشخاص الجدد من جميع أنحاء البلاد، بل ومن خارجها أحياناً. لم تعد حدود المدينة المقيتة غير قابلة للاختراق كما كانت من قبل، ولم تعد الحكمة المتوارَثة غير قابلة للجدل.
حصل ذلك في العام 2014، في احتجاجات الميدان الأوروبي، في غمرة الدموع ومعاناة الصراع المسلّح. الحرب تأليه العنف، والجواب النهائي عن سؤال غير معروف. وعلى الضدّ من ذلك، كانت أسئلتي بسيطة للغاية، وبالكاد تستعصي الإجابة عنها: لماذا يحصل ذلك؟ ولماذا؟
هذا البحث عن إجابات هو ما دفعني أخيراً إلى الانضمام إلى الصليب الأحمر لأصبح منسّقة شابّة بدوام كامل- هذه المرّة في كييف- عاصمة أوكرانيا.
– Maryna Kozhedub, Ukraine”أن تكوني أنثى يعني تغيير الآخرين عن طريق تغيير ذاتك”
ما اكتشفته أخافني، لكنني شعرت أيضاً، وبطريقة غريبة، بالحيوية. باطن الناس ليس كظاهرهم دائماً. لا توجد قصّتان متطابقتان. جذور العنف عميقة- سواء في تاريخ البشرية أم في حياة شخص عادي. يكمن مفتاح تغيير الأول في تحويل الثاني. ومن هنا تأتي قيمة التعليم الإنساني. وبطريقة ما، اختُزل كلّ ما تقدّم بعبارة "من سيتعامل مع الوضع، إن لم يكن أنا؟" يجب أن أكون قدوة- أن أفعل ما أقوله وأعيش التغييرات التي أحاول إحداثها في الآخرين. الغريب أنّ هذا هو المكان الذي تحرّكتْ فيه أنوثتي، وأخيراً فككتُ اللغز. أن تكوني أنثى يعني تغيير الآخرين عن طريق تغيير ذاتك- لمصلحتكِ وليس لمصلحة الآخرين. بدا الأمر حينئذٍ وكأنه الاستنتاج الأقرب إلى المنطق على الإطلاق.
وجدت زميلات شاركنني أفكاري ومشاعري، وهو ما أعطاني دفعة قوية للعمل أكثر على الساحتين الوطنية والدولية ترويجاً في جميع أنحاء العالم للحقائق التي اكتشفتها حديثاً وبصعوبة. نجحت في العام 2018 في الترشيح لعضوية لجنة التنسيق الشبابية الأوروبية التي تضمّ حركات شبابية منتمية إلى الجمعيات الأوروبية للصليب الأحمر والجمعيات الوطنية للهلال الأحمر. وبصفتي عضواً في اللجنة، أشدّد دائماً على أهمّية تعزيز القيم الإنسانية من خلال التعليم. لا عجب أنّني قررت اختيار التعليم الإنساني بصفته اختياري الأوّل ومجال اهتمامي الأساس. ومع أنّه طريق ضيّق، لكنّه الطريق الصحيح. لا يوجد ما يمكن مقارنته بمشاعرك عندما تنظر إلى شباب يعيدون النظر في مواقفهم ويغيّرون طرقهم لتبنّي ثقافة اللاعنف والسلام بعد حضور جلسة جيدة في سياق مبادرة ’الشباب كعوامل للتغيير السلوكي‘.
– Maryna Kozhedub, Ukraine”حياة آمل أن تشهد مزيداً من المساواة في العالم.”
مازلت أسمع تلك العبارات المزعجة دائماً، مثل "ألا يوجد لديكِ شيء آخر تفعلينه؟" أو "إذاً، متى ستتزوجين؟" أو "أنت امرأة، عليكِ أن تكوني رفيقةً مخلصة لرجل". لكن أما وقد مزّقت ستائري، أشعر أنّ في وسعي التأثير بشكل فاعل في الأفكار المسبقة والصور النمطية الكامنة وراء هذه الهجمات الكلامية- من خلال التأثير في المؤثِّرين. لقد بلغت الرابعة والعشرين للتوّ هذا العام. لا تزال الحياة أمامي- حياة، آمل أن تشهد مزيداً من المساواة، حيث ليس لهويتك الجنسانية أهمّية- صوتكِ جليل القيمة لأنكِ إنسانة لها كرامة!
"اعتنت سيدات كاستيليوني بالجنود الذين أُصيبوا بجروح في معركة سولفِرينو وهدّأتهم. لكن حين أُسّس الصليب الأحمر بعد ذلك بأربع سنوات، لم يكن فيه ولا امرأة واحدة. ولا تزال النساء اليوم يعتنين بالجرحى ويداوينهم، لكن هل يوجد في دوائر صنع القرار سيدات؟"