تطوّعت كلير شوشير دورينغ في الصليب الأحمر في أثناء أزمة البلقان في تسعينيات القرن الماضي. أيقظ مصيرُ الآلاف من العائلات التي كانت تبحث عن أحبّائها المفقودين شغفًا قوياً: "أحسستُ بوهن شديد بسبب عواقب الخسائر الغامضة التي عانت منها العائلات، وأردتُ بالفعل تقديم مساهمة صغيرة للمساعدة على تخفيف معاناتهم".
– Claire Schocher-Döring, Austria"أتساءل دائماً عن حقيقة شعور المرء عندما يقرأ سطوراً كتبها حبيبه بعد سنوات من انعدام التواصل".
بصفتها رئيسة لخدمات البحث عن المفقودين في الصليب الأحمر النمساوي، أصبحت الآن قادرة على ملاحقة حلمها. وبالتعاون مع فريقها، تستكشف وتتحرّى وتتقصّى حتى أضعف الآثار للتمكّن من لمّ شمْل الأُسر مرة أخرى. "أحبّ أن أتبادل البطاقات البريدية مع أسرتي وأتساءل دائماً عن حقيقة شعور المرء عندما يقرأ سطوراً كتبها حبيبه بعد سنوات من انعدام التواصل".
يُعَدّ تعقّب أفراد الأسر المفقودين إحدى الخدمات الأساسية للصليب الأحمر. كانت كلير في طليعة نقل هذا العمل التقليدي إلى العصر الرقمي. ونظراً لكونها من الأعضاء المموّلين لمشروع Trace the Face، فقدت ساعدت ممثّلة الشباب السابقة على تطوير فكرة المنصّة الإلكترونية التي أحدثت ثورة في البحث عن أفراد الأُسر المفقودين في أوروبا.
تسترجع كلير ذكرياتها وتقول، "وُلدت الفكرة في أثناء اجتماع لخدمات البحث عن المفقودين في أوروبا الوسطى بصربيا في العام 2012. كنّا نعمل على قضية أُسرة تبحث عن ابنها الصغير. لم تكن شبكة الروابط الأُسرية ناجحة، لكنّ منظّمة أخرى عثرت على الصبيّ في آخر المطاف لأنّها جالت على جميع مخيمات اللاجئين في هنغاريا حاملة صورة ذلك الطفل".
بدا أنّ المفتاح في البحث باستخدام الصور. "لكن كانت هناك مخاوف حيال حماية البيانات وأمن الطفل. لذا، كيف يمكن الجمع بين مبدأ الصليب الأحمر القائم على عدم التسبّب بأذى وطريقة عرض الصور التي أثبتت نجاحها؟ "يكمن الحلّ في منظور مختلف- كما هي الحال في الحياة دائماً: "قرّرنا عرض صور أفراد الأسرة المنكوبة عوضاً عن عرض صورة الشخص المفقود".
لم يمض وقت طويل حتى استطاعت المجموعة اختبار فكرتها. "بدأنا بملصق يعرض صورة خمسة أشخاص في عام 2013. لقد كان نجاحًا باهراً. واليوم، Trace the Face منصّة على الإنترنت تعمل على مستوى العالم وتضمّ أكثر من 5000 مُدخلة"، وهي الأمّ النشطة لسيرتين ذاتيّتَين. وأدى 14.053 طلباً على المنصّة إلى لمّ شمل 58 أُسرة في العام 2018 وحده.
– Claire Schocher-Döring, Austria"كانت حقيقة أنّنا أنفسنا أمّهات أنفسنا مصدر إلهام وشجاعة لنا".
الأمر الملفت أنّ الإناث هنّ العنصر الغالب في القوى الدافعة لبرنامج Trace the Face. تقول كلير: "كانت حقيقة أنّنا أنفسنا أمّهات أنفسنا مصدر إلهام وشجاعة لنا. الانفصال القسري عن طفل، وعدم معرفة مكانه، أحد أسوأ الأشياء التي يمكن تخيّلها. وأعتقد أنّ Trace the Face خير مثال على مدى أهمّية الإنصات إلى ما يحتاج إليه الناس حقّاً، وربط تلك الاحتياجات بتجربتنا، والتحلّي بالشجاعة الكافية لارتكاب أخطاء والانفتاح على أفكار جديدة".
مازالت العقول الأنثوية التي تقف وراء Trace the Face ترى عملها مشروعاً يجري تنفيذه. "قمنا بسدّ الفجوة بين خدمات البحث التقليدية التي تعود إلى الحرب العالمية الثانية والرقمنة. وأتساءل عمّا يمكننا تحقيقه من خلال تقنيّات جديدة كتقنية التعرّف على الوجه".
على الرغم من الرقمنة والتقنيّات الحديثة، ستظلّ خدمات التتبّع دائماً مجال عمل عاطفي وإنساني للغاية. "منذ الأيام الأولى التي عملت فيها ممثّلة للشباب في الصليب الأحمر وأنا منجذبة لشبكتنا العالمية القادرة على تغيير حياة كثير من الناس. نحن في خدمات البحث عن المفقودين لا نتخلّى عن البحث. ومع كلّ حالة هناك مصير. ومن حقّ كلّ أُسرة أن تعرف مكان أحبّائها. الفرد المفقود هو الكون في نظر أسرته".
تُظهر البحوث أنّ الفرق الإدارية المتنوّعة جنسانياً تحقّق نتائج إيجابية على صعيد الأداء.